عدد متابعي الموقع الآن

الأحد، 26 يونيو 2011

ردا على سمير عطا الله

محمد ولد حمدو 

سمير عطا الله

كعادتي يوميا تقريبا منذ عدة سنوات، دلفت مسرعا، صبيحة يوم السبت 18 يونيو، من بوابة صحيفة " الشرق الأوسط" اللندنية، إلى المقال اليومي، للأستاذ سمير عطا الله، ألتهم الأفكار، عابرا بين السطور.
كان كعادته رائعا، يمزج بين اللمحة الشخصية الإنسانية، والبعد الموضوعي العام.
غير أني ما كدت أصل نهاية المقال، حتى وجدتني أتوقف قليلا، خاصة أمام دعوة الأستاذ - بسخرية لا تخطئها العين - إلى إصلاح الجامعة العربية، أوبتحويلها إلى موريتانيا أوالصومال أو جزر القمر.
لم تعد مثل هذه الاستفزازات، لكثرتها وسماجتها تستثيرني، ولكن لا بد من إبداء بعض الملاحظات:
أولا:
لدينا في موريتاينا، قبل أن يفكر الأستاذ سمير عطا الله، في تقديم توصية بنقل مقر الجامعة العربية إليها أو إلى غيرها، وهي توصية، رغم أني أثق في جديتها وصدق صاحبها، الأرجح انها ستبقى حبرا على ورق، كغيرها من القرارات والتوصيات العربية، المهم أنه كان لدينا منذ سالف العهود والدهور، مثل شعبي، يقول بالحرف دون تصرف " تقدر أن تمدح الرسول صلى الله علية وسلم، دون ان تذم حليمة ( المرضعة) ...)
فقد كان بإمكان الكاتب الكبير، أن يمدح مصر الكنانة، كعبة العرب العالية، ودوحتهم الوارفة الظلال، وشمسهم التي لا تغيب، دون أن يشتم موريتاينا، ولا أريد أن أحول بينه وشتم غيرها، فلا أنا شرطي أخلاق، مسلط عليه ولا على غيره.
ثانيا:
لست هنا في وارد مناقشة الأستاذ، بشأن وجاهة أعتراضه على دعوات "تدوير" الأمانة العامة للجامعة العربية، كما دعت إلى ذلك دول عديدة، مشرقا ومغربا، وليست طبعا بينها موريتانيا، التي لا تستحق عضوية النادي العربي، بحسب الأخ سمير عطا الله، أحرى أن يكون من حقها، أن تدس أنفها، في شأن علية القوم من أبناء العرب!!
ولكن ماعلينا فليس هذا موضوعنا الآن.
أرجو ب"حبية" أن يسمح لي الأستاذ، ويتواضع قليلا ويسمعني، فمن تواضع لله - كما يعلم - رفعه، وليعذرني في أن أخالفه الرأي، فبالنسبة لي الدول، أيا كانت، تستحق الإحترام، لأنها بإختصار، مكونة من ناس، لهم كرامتهم وشرفهم واحترامهم، حتى ولو كانوا فقراء معوزين، أو كان قدرهم، أن الله لم يجد عليهم - بعد - ببئر نفط، تنافح عنهم، وتجعل الناس، تذود عنهم خوفا وطمعا.
وأربأ بالأستاذ - طبعا - أن يكون ممن تجعله الماديات الزائلة، ينحاز لهذا ضد ذاك، بل أحسبه، ولا أزكي على الله أحدا، دائما وباستماتة، مع الجوهر الثابت لا المتحول!!
ثالثا:
عودة إلى قصة المركز والهامش، التي تطل برأسها، لا شعوريا، عند أول منعطف، فترى وتسمع، بل يصمك في بعض الأحيان، التطاول والتبجح، ولن أظلم أستاذنا في هذا المقام، فهو متبع، غير مبتدع والحمدلله، سبقه آخرون كثر!!
فهو حين يكتب " رغم بعد تونس عن عواصم العرب" فلنا أن نتصور أنها عاصمة بنغلاديش، أو استونيا أو الغابون أوالأرجنتين مثلا!!
وليسمح لي مرة أخرى، بالعودة قليلا إلى التاريخ، وما سأقوله هنا، يعرفه - ولاشك - الأستاذ وهو أدرى ربما مني بهذه المعلومات.
أين عاش العرب قبل الفتح الإسلامي، والإنطلاق نحو الآفاق الواسعة، في كل أركان الدنيا بعد الفتح؟
كان العرب يعيشون في الجزيرة، وتخوم الشام وأطراف العراق.
حينها لم تكن أي من عواصم العرب اليوم قد وجدت، وتلك التي كانت موجودة، لم تكن عربية كدمشق وبيروت مثلا،
وكلنا متفقون على أن رقعة العالم العربي المعروفة اليوم، يرجع الفضل في جزء كبير منها للإسلام، فلولا الفتوحات لما كانت رقعة العرب، تتجاوز موطنهم الأصلي في الجزيرة وما حولها.
وحين بدأت الفتوحات، وتمددت الدولة الإسلامية لاحقا، كان العرب بالفعل بحكم قيادتهم للجيوش الفاتحة في الطليعة، فاختطوا في البلاد التي وصلتها سنابك خيول الإسلام، مدائن ومداشر، وتعربت بعض البلاد بفعل موجات الفاتحين، والإرتباط بمركز الخلافة، كما حدث في مصر وشمال إفريقيا، فيما "أسلمت" بلاد دون أن تتعرب، كما حدث على سيل المثال في إيران والهند بكل تشكيلاتها التاريخية، وتركيا وبلاد كثيرة في إفريقيا شرقا وغربا.
وحين بدأت الدولة الإسلامية في الانحسار، بعد أفول شمسها، في بقاع واسعة من الارض، كانت العربية قد رسخت قدمها، في بعض البلاد، فبقيت عربية اليد والوجه واللسان، مسلمة عاضة بالنواجذ على إسلامها وعروبتها وهويتها، وخصوصيتها التي أملاها المحيط، لا تنتظر جزاء ولا شكورا،.... ولا تريد شهادة هوية أوانتماء من أحد، ولا يزيدها ولا ينقصها أن تنقل إليها، أوعنها الجامعة العربية أو الأعجمية!!
أستاذي العزيز
كما تعرف، أيام كان امرؤ القيس وطرفة وزهير والمرقش والنابغة، يجوبون "فيافي العرب" ويجوسون حول الديار ويقفون ويستوقفون ويبكون ويستبكون على الأطلال والدمن، لم تكن بغداد مثلا موجودة، ولا دمشق كانت عربية، ولم تكن الرياض قد أنشئت حينها، هي ولا غيرها من عواصم الممالك والإمارات العربية.
أما القاهرة التي لا يجوز ان تنافس ( بضم التاء.. طبعا) في إحتضان مقر بيت العرب، فلم تكن حينها قد وجدت، وستنتظر عدة قرون بعد ذلك، لتظهر على الخريطة، على يد جوهر الصقلي ( وياللطرافة فهو من صقلية غير البعيدة من ديار الرفيق برلسكوني) والذي دخلها على رأس جيش قادم من افريقية ( تونس) البعيدة اليوم في نظر البعض عن عواصم العرب.
هذا هو الوطن القومي للعرب اليوم، بعد ان تعربت أجزاء واسعة منه مع الفتوحات، واختلاط الفاتحين الأول بسكان البلاد المفتوحة، سواء مصر أوالمغرب العربي أو الاندلس التي كانت يوما بها دولة عربية قوية، رغم بعدها عن عواصم العرب!!!!
رابعا:
لما ذا يريد بعض الكتاب والساسة وغيرهم محاكمة موريتانيا على "جرم" لم تغترفه، بمحضص إرادتها، فلاهي انتبذت عن قصد هذا المكان القصي، الذي هي فيه اليوم، ولا هي استكانت لفقرها واستسلمت لقدرها، ولا هي عرضت عليها جنان تجري من تحتها الأنهار، واختارت صحراء قاحلة!!
أعزتي جميعا،
وأخص من جبلوا على استرخاص الناس، خاصة إذا كانوا من أصحاب الخلة والحاجة، في هذا الزمن الذي أسكرته المادة .......... ما تتحدثون عنه بتعال وتغمزون فيه هي حقائق موقع ومقتضيات تاريخ.
نحن هنا في هذا الموقع البعيد عن " عواصم العرب" لأننا نرابط منذ قرون عند ثغور، لم تأت ( بفتح التاء الأخيرة ) منها الأمة منذ حرسناها، وهذا ليس كلاما انشائيا، يعيدنا إلى شعارات البوابات، وما تبعها من حشد مشروع وغير مشروع، كثيرون يتقنونه أكثر مني.
لكنها الحقيقة فنحن، وغيرنا ممن هم في نظر سكان المراكز، أطرافا بعيدة، حراس أمناء، حملنا مهمة أشفق من حملها آخرون، وآثروا دعة الشام وغوطة دمشق، والضفاف الحانية للمتوسط، ومضينا نحن نشق عباب صحراء زاحفة، كانت كل يوم تبعدنا - ظاهريا - عن عواصم العرب أشواطا وأميالا، لكننا رفعنا فيها، للعرب رايات وبنودا، وحفظنا لهم في ذكرا باقيا منذ قرون... وما زلنا على العهد.
خامسا:
يتأفف بعض الكبار حين يصوبهم بعض الصغار " المجاهيل" الذين لم يكتبوا قط، من أمثالي، خاصة إذا كانوا من ذوي النسب العريق، المتصل في "المجهولية" بحكم الإتنتماء إلى بلد مثل موريتانيا.
لكن لا يمكنني، أن أصدق، ولو لحظة واحدة، أن يكون الأستاذ منهم، وهو من هو في التواضع وسعة الأفق، ولكن نحن أهنا مرات ومرات، فلم نعد نترك فرصة، إلا وردينا الصاع صاعين، فقد تطاول علينا كثيرون، ممن لا يرعون في الناس إلاا ولا ذمة، وهم غالبا - للأسف - ممن يحسبون من الأسماء اللامعة في عالم الحرف والكلمة والسياسة في دنيا العرب.
مرة بحجة لعنة الجغرافيا.. ومرة بداعي العجمة!!
ومرات ومرات بسبب انضمام متأخر لبيت العرب!
وينسى هؤلاء أو يتناسون أويجهلون، -لا فرق - أن من أخرنا عن الإلتحاق بهذا النادي، هم العرب أنفسهم، فقد وقفوا كلهم مجمعين - عدا تونس للتاريخ - على استبعادنا.
وكلن لماذا؟
لم يستنجدوا بالجغرافيا لإقصائنا، ولم يتحججوا بالعجمة وغربة اللسان... ولكنهم أغلقوا في وجوهنا الباب، لأنهم متضامنون - وهي من المرات النادرة التي يتفقون فيها على شيئ - مع المملكة المغربية الشقيقة، التي كانت في تلك الفترة تعتبرنا من أقاليمها الجنوبية!!!!
وفي الأخير أستاذي العزيز،
كنت وما زالت أضعكم في خانة " من رحم ربي" حين يتسابق الكتاب للنيل من بلادي والسخرية منها، وما أحسبك قد تغيرت فما زلت في عيني بعيدا عن الشتم والسخرية العمياء الشوهاء!!
وفي الأخير أرجو - أستاذنا الكبير - أن تتقبلوا هذه الكلمات، وان تتفهموا دواعيها، التي لا تغير من إعجابي بكم، لما تتمتعون به من حس إنساني عال، وتجرد كبير من أدواء النفس خاصة - وعلى الأقل- ما يظهر منها من خلال الكتابة.

محمد ولد حمدو
صحفي موريتاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق