الأستاذ الطبيب المختار السالم ولد حرمه
لقد وجدت الأمراض منذ
أن وجد الإنسان فكان لابد من علاجها و كما أنه لايستغني مجمتع عن العلماء
فكذلك لايستغي عن الأطباء ولكل مجتمع أفراد وأسر يعتمد عليهم ويلجأ إليهم
في تشخيص الأمراض وعلاجها وقد ظهرت في هذه المجموعة أسر وأفراد مارسوا طب والتمريض
ونجحوا في ذلك .
فمن
أفراد هذه المجموعة عرفت خديجة بنت حمين ( بنت السعد)[1]
بالطب و قد مارسته بجدارة ونجاح باهر و تميزت بقبول فائق في مجتمعها رحمها الله تعالى وقد أخذت الطب عن
أمها أم الخير بنت عبد الملك وخالتها سلامه
التي قال الشاعر في حقها
سلامه قالت دع الأتاي واستكن
|
|
وحاذر الشرب لو شربا من اللبن[2]
|
وقد رأيت
بأم عيني بنت السعد رحمها الله تقوم
بمختلف الجبائر للساعد والعضد والترقوة بمواد أولية تتمثل في وبر الإبل والمغرة
والصمغ العربي ثم تشدها على العضو لتثبيته
لمدة ثلاثة أسابيع أو أربعة وقد تعيدها مرة أخرى أو اثنتين فيشفى المريض
تماما ويبرأ العضو دون تشوه.
أما
إسهال الدم فتعالجه رحمها الله بلبن الضأن والتمر الأحمر وغالبا يشفى صاحبه وأذكر
مرة وأنا صغير أصبت بانحباس التبول فأخذت والدتي بيدي وجاءت بي إليها فأمرتها بأن
توقفني وتعري كتفي ثم ترش الماء ثلاث مرات بين كتفي وما إن رشتني المرة الأولى حتى تبولت تماما، فما أبسط هذه
التقنية وشتان بين الرش بالماء وإدخال القسطرة[3]
إلى الجهاز البولي.
ومن نساء
هذه المجموعة المشهورة بالطب خالتنا امبيرك بنت عبد الودود( بيك بنت دودو) وقد اكتسبت أكثر علمها بالطب عن طريق التجربة
وعلاج أبناء أخواتها وابنها الوحيد وربما
أخذت منه النزر اليسير عن أهل يامو وهم أبناء
عمومتها و كانت خالة حميره وعبد الله وهما معروفان بالمهارة والقدرة على
علاج مختلف أمراض الأطفال.
لقد
مارست بيك رحمها الله تعالى الجبائر فقد أصيبت وأنا صغيرفي حدود الثامنة من عمره
بكسر في يدي اليمنى وليلتها لم أنم طوال الليل وفي الصباح جاءت وسألت عن سبب بكائي
تلك الليلة فأخبروها بكسري فقالت أريني يدك وبعد لأي أمكنتها من يدي ضغطت بأصابعها
على العظم تلمسه برفق حتى تأكدت من مكان
الإصابة أمرت جدتي بإمساك أصابع اليد وأمسكت هي عضدي وجذبتها بقوة فأرجعت العظم ثم قامت بثبته بالجبيرة رحمها الله ولم
ألاحظ أي فرق بعد ذلك بين يدي اليمنى ويدي
اليسرى إلى اليوم ولله الحمد.
وإذا كان
الطفل صغيرا ربما لجأت إلى ضلوع البقر أو الإبل وثتبت بها العظم لفترة ثم تزيلها
بعد ذلك وفي بعض الأوقات تثبت الكسر بالورق المقوى الذي لايلتوي .
ومرة
مرض أحد أطفال الحي إذ أصيب بمرض في حجرته عسر معه البلع عليه فقالت هي رحمها الله ابحثوا له عن لبن الإبل[4]
واعطوه بعضه ثلاث ليال فسقوه بعض لبن الإبل فشفي بإذن الله.
وكانوا
يقولون دائما إن أكثر إصابات الأطفال الصغار من فئة الذكور ذات منشأ حراري أما فئة
الإناث فإصابتهن غالبا ما تكون بسبب البرد
ويقسمون الأمراض حسب هذا التقسيم إلى نوعين كبيرين وهما :
1- أمراض لها علاقة بالبرد : كذات الجب والسعله ( السل الرئوي) ونحوها وهذه
يعتمدون في علاجها على الخطة التالية :
أ-
تغذية المريض بلحم الإبل أو
الضأن وإعطائه اللبن غير ممزوج بالماء مع إعفائه من كل الأعمال مما يجعله في راحة مستمرة وهذه الطريقة يبدو أنها تقوم على
رفع مناعة الجسم ليتغلب على المرض
ب-
عدم تعريضه للبرد
ج – ربما أعطي له التمر مع
السمن
وفي الجانب الوقائي يعزلونه
إذا كان مرضه معديا كالسل الرئوي فإما أن يخصصوا له خيمة مستقلة إن وجدت أو يجعلون
له زاوية من الخيمة وتكون بجانبه آلاته الخاصة به .
أمراض لها علاقة بالحرارة
وهذه بالنسبة لهم غير خطيرة ويتم علاج صاحبها بما يلي :
أ-
إعطائه لبن المعز لأنه بالنسبة لهم ذو طبيعة باردة
ب-
تغذيته بلحم المعز أيضا لنفس الخاصية السابقة
ج- تعريض المريض للتيار البارد خاصة وقت الضحى
د- إعطائه الحنة على يديه ورأسه وهذه الطريقة
فعالة في تنمل الأطراف وسخونة الرأس .
وفي
الليل يعطونه وجبة حضرت خصيصا له على شكل عجينة من الدخن أو الذره مع لبن المعز إن
وجد وإلا فلبن البقر وهذه الطريقة فعالة في علاج حمى الخريف كما سماها أوفى توجاط
وهي الملاريا .
وفي علاج الأورام يلجئون إلى الكي لاستئصال الورم و قطع صلته بالأعضاء الأخرى.
وهناك
بعض الأمراض[5]
تصيب الأطفال الصغار وخاصة الرضع ومن أمثلة ذلك آمريك[6]
ويعالجنه بمرق لحم المعز المحلى بالسكر مع ضرب الرضيع على مختلف أجزاء جسمه برئة
الشاة. وهذه الطريقة فعالة في علاج هذا المرض.
وممن مارس
مهنة الطب والتمريض على الطريقة
التقليدية في مجتمعنا حتى عرف بهذه
المهنة:
أسرة أهل
يامو [7]:
اشتهرت هذه الأسرة بين باقي ألأسرؤ أهل ألمين بن متيلية بالطب و المهارة
فيه ومن أشهر من مارسه من أفرادها المختار بن يامو رحمه الله تعالى فقد حدثتني
جدتي فاطمة بنت أحمد سهله رحمه الله أن صحبت والدها إليه وهو مريض جدا فجسه ومن خلال نبضه عرف أن علته بأمعائه ثم
اعطاه شربة من ماء ورق الطلح( لمسيد) وبعد
أن شربها تقيئ ماكان ببدنه فعوفي رحم الله الجميع وقدم له نصائح توعوية تتعلق
بنوعية تغذيته المعتمدة على الحبوب و السوائل مع تجنب اللحم واللبن فترة شهر كامل
ومن توفيق الله للمختار رحمه الله أنه كان قليل الخطأ في التشخيص و العلاج كما أن حميرا ابنته كانت تستشار في مسائل كانت تتعلق
بالأمراض وطرق علاجها فتقدم آراء موفقة
وصائبة رحمه الله وممن مارسه بجدارة وشهد القاصي
والداني بحذاقته ومهارته محمد بن يامو.
ومن
الأمراض التي كانوا يعالجونها :
الإمساك
: وعلاجه يقوم على مايلي : إعطاء التمر الأحمر وقد أثبت الدراسات اليوم غني
بالألياف الضرورية لتخلص الأمعاء من
الفضلات لأنها مساعدة على زيادة الحركة الدودية بالأمعاء ثم اعطاء حساء القمح وهو
أيضا غني بالألياف ثم لبن البقر أو الضأن
ويحذر على صاحبه لبن المعز و الإبل لشعثهما ( قلة الدسم بهما) .
ويعطون
صاحبها مرق لحم الضأن دافئا مع الرياضة وبعض الأطباء التقليديين يجسون البطن طولا
وعرضا مما ينبه العضلات البطنية فتزيد الحركة الدودية داخلها وكل هذا العلاج علمي
وفعال.
أما
الشقيقة : فيعالجونها أولا بإعطاء مسحوق الزنجبيل استنئاقا عن طريق الأنف أو اعطاء
الزيوت و الدهون مع بعض القرنفل هذا في حالة كانت ذات منشأ بردي أما إذا ظهر لهم
أن منشأها حراري فيعطون لبن المعز مع الزعفران عن طريق الأنف السعوط الأنفي(
النخارة)
وإذا لم
تفد هذه العلاجات فآخر المطاف الكي بين
العين والأذن من جهة الألم وهذا الكي له سلبياته المعروفة.
ومن نساء
هذه المجموعة المعروفات بالمهارة في علاج الأطفال بمختلف إصاباتهم ابنة خالتنا
عيشة ( الددا) بن بدي رحمها الله تعالى حيث تقوم بنوع من الرياضة الذين تأخر مشيهم
يتمثل في قيامها بنوع من الحركات للكتفين و العضدين مع التدليك بأي مادة دسمة وغالبا ما تجدي هذه الطريقة ويسير
الطفل بعدها على قدمين باذن الله تعالى وهذه الطريقة تعرف عندهم ب ( تنتاك لكتاف)
القبالة:
التوليد
هذه المهنة
وجدت قديما في مختلف الحضارات وكان في كل حي من أحياء العرب قوابل يلجأ إليهن في حالة الولادة وتقوم
عادة بتوليد النساء في مختلف الظروف وإنعاش الطفل حتى يبكي أو يتنفس و بالإشراف على المرأة
حتى تتخطي مرحلة الخطر الأولى ومن أشتهر منهن بمكة الشفاء بنت عمرو المعروفة وظلت
القبالة مهنة النساء وكان الخلفاء مثل عمر بن الخطاب يأخذ برأيهن في الاستلحاق
ونوازل النساء وذلك لتجربتن وتكرر الولادات على أيديهن حتى صرن ماهرات عارفات
بمختلف المسائل المتعلقة بها( انظر التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري
أطروحة الدكتوراه) وتناقلت هذه المهنة عبر
القرون الأجيال البشري حتى وصلت إلى مجتمعنا الشنقيطي وتخصص بها نساء فكن دايات
تقليديات وغالبا ما لا يأخذن على هذا أجرا وقد تأخذ بعضهن مسائل بسيطة هذا في حالة الولادات اليسيرة أما في حالة الولادات
العسرة فحينها يبحث دائما عن العجائز الكبيرات الماهرات وقد يلجأن إلى بعض
الفنيات بأيديهن حتى يخلصن الجنين حيا وهنا يلعب الوقت والخبرة لدى المرأة
المولدة عاملان أساسيان في انقاذ
الجنين وأمه و بع دذلك يقوم بإعداد وجبة خصيصة للنفساء بعد الولادة مثل
حساء الحبوب والتمر أما الطفل الصغير
فيختار له إمرأة ترضعه وغالبا مايفضلون إمرأة كريمة عزيزة حسيبة وهي مايعرف في مجتمعنا بالحناكة ويقولون الحناكة
مشيخة لتأثير أخلاقها في من ترضعه ومن
علاجاتهم للأطفال الصغار إضجاعهم على بطونهم حتى
يتقسم مستوى النظر عند الطفل وتقوم إحدى العجائز بتدليك ساقيه حتى لايصير أعرج في
مشيه بعد كبره و القبالة في المجتمع
الموريتاني القديم تقوم بها أمهات
أو خالات المرأة هذا في الأعم الأغلب.
أما التمريض :
في المجتمع الشنقيطي فهو نوع من
الرعاية للمرضى في فترة النقاهة حتى يصل المريض إلى بر الأمان ويختلف من مرض إلى
آخر ودائما يقوم به أقارب المريض مثل أمه
أو اخته أو ابه وتحت اشراف أحد الأطباء التقليدين و لهم فيه معلومات معروفة منها أربعين بوحيمرين ( الحصباء) وهي عبارة عن اربعين ليلة يحتاجوها صاحبها إلى
تغذية خاصة وعناية خاصة لايتعرض فيها للهواء ولا يشرب الماء البارد وكذلك يقولون اربعين ادكديكة أي أن
الكسر يحتاج صاحبه هو الآخر إلى نفي الفترة الزمنية لا يأكل إلا اللحم ولا يشرب
إلا اللبن الخالص.
أما العلاجات الجراحية : تقليدا فكان من أهمها
الختان (ختان الذكور) وكان يقوم به
من لهم خبرة عالية وفي مجتمعنا ختن باب ولد شلل ومحمد محمود بن أبي عشرات الأطفال
في فترات زمنية مختلفة و تقوم أم المختون أو خالته برعايته وتمريضه بعناية فائقة
جدا حتي يتم برئه وكذلك من العلاج الجراحي التقليدي عملية قلع الأسنان وهذه تقوم
لها بعض النساء وممن قمن بها فاطمة بنت بي وعيشة بنت بدي وكل منهما تعد مسحوقا من الملح والصلاحة تجعله
في مكان السن بعد قلعها مما يقلل من احتمال الإصابة بالتهاب والتورم
ملحوظة :
لا تقوم النساء في مجتمعنا بختان الأطفال ربما لعامل المحافظة أو
لعامل التأثر الاجتماعي وهو عادة تتأُثر فيه النساء
بالضغط الاجتماعي أكثر من الوازع
الشرعي كعادة حلب المرأة للشاة و البقرة
لا غير
وكذلك من
العلاج الجراحي الحجامة ويقومون بها دائما لعلاج آلام العصب الحرقفي وهو مايعرف
محليا ب: (عرق النسا) ولايقوم بها إلا متمرس وخبير ذو تجربة طويلة في الحجامة
أما
الأمراض النسائية : فيتم علاجها باعطاء
المرأة القرنفل والزريكه على شكل بخور ليلي طيلة سنة أو سنتين مع تدليك ليلي بزيت
الزيتون والتغذية بلحم الإبل أو الضأن
أما في علاج اليرقان ينصح صاحبه يوميا بعدة
لترات من ماء الذرى و القطان وبعض لحم المعز وفي الليل بلبن المعز وعيش الذرة،
ولا يعطى له لبن البقر ولا لحم الشأن وهذا الحويصلة الصفراوية في راحة عن العمل
حتى تقلل إفرازها لتختف الأعراض من اصفرار
الوجه والاشغية المخاطية و الحكة إن وجدت وقد شاهدنا أشخاصا تم شفائهم تحت
رعاية أطباء التقليدية
طرق
التشخيص : كانت الوسائل محدودة لدى الأطباء التقليديين القدماء لكن مع
ذلك كانوا يتمتعون بحدس جيد و خبرة راقية مع تواضع الإمكانيات في ذلك الوقت وقد
انقذوا الكثير من الأرواح في ذلك الوقت ومن أهم طرق الكشف عندهم على المرضى :
1- جس النبض : وفي هذه
الطريقة يتحرون عن سرعة النبض وبطئه ولكل منهما تفسير
فحص
افرازات المريض: وأهم طرقها لديهم (
القارورة) وهي فحص محتوى البول بالعين
المجردة حيث ينصح المريض بغذاء معين
يتناوله بالليل وعند التبول الأول في الصباح الباكر يحافظ بكمية من البول في زجاجة
نظيفة أو كأس وبعد طلوع الشمس يأتي الطبيب أو يحملها المريض إليه فينظر إليها وبعد
معاينتها يحدد نوعية الاصابة وطريقة العلاج و غالبا ما يشفى المريض بإذن الله
[1] - خديجة
بنت حمين بن محمد فال بن ابن حنبل من أسرة أهل بن حنبل بن محمذن بن متيلية طبيبة
تقليدية عرفت بعبقريتها الفذةفي معرفة الأمراض وطرق علاجها حتى إن بعض تشخصيها
هوأقرب إلى الولاية و الكشف منه إلى الطب ومعرفة الطبائع كانت رزينة متأنية أكثر
صوابها دائما من خطئها رحمها الله تعالى .
[4] - مازالت خصائص لبن الإبل وكذلك بولها محيرة
للعلماء وقد ثبت حديثا نجاعتهما في علاج أنواع من السرطان و السكري و غيرهما من
الأمراض
[5] - لقد اعددت مسودات هذا العمل منذ فترة واشتغلت عن نشره فلماتيسر نشره
لم أعثر على المسودات وما كتبت رجعت فيه إلى مواد خام من مقابلات شخصية قديمة لدي.
[6] - هذا المرض هو أقربالأمراض اليوم إلى تسمم الأطفال المعروف في المشتشفيات حيث تتميز
أعراضه بتورم بيبدأ في قدمي الطفل ويرتفع إلى أن يعم على جسمه وهو يصيب في فترة
الرضاعة أكثر من غيرهم وربما سموه أمريك تشبيها له بلآمريك النو بسبب سرعة انتشاره
[7] - يامو
بن ألمين بمن متيلية أخذ عن والده وعن
الحاج ولد الكتاب الكناني وهو شاعر مفلق وعالم ورع وطبيب حاذق
عرف ببصريته النافذة وفراسته الصادقة في طرق علاج الأمراض وقد ذكره المختار ولد حامد في موسوعته في علام هذه المجموعة عرف بجدوة الخط و
جدوته كان نساخا للكتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق