عدد متابعي الموقع الآن

الأحد، 12 ديسمبر 2010

قصة قصيرة بعنوان : الاختباء العظيم بقلم : الكاتب أحمد سالم ولد محمد ولد اكاه


كان محمد ذات يوم من أيام بلاد الرجال الملثمين جالسا في خيمة من الوبر وبجانبه أمه وخالته تكتبان له أسطرا من القرآن في لوحه وبينما هم في هذه الصورة سمع محمد صوت سيارة بإتجاههم وكان صوت السيارات غريبا إذ ذاك فأخبر أمه وخالته بالصوت الذي سمع فقالت له أمه إنهم العسكريون الفرنسيون قادمون إلينا وقد سمعت عند البعض أنهم يبحثون عن الأطفال لكي يدرسوهم ثقافة طارئة عليهم ولما يألفوها بعد وهي ثقافة التعليم الفرنسي وقالت له إنها ستخبؤه حتى ينصرف الفرنسيون فقال لها لك ما شئت وكان محمد طفلا في سن السادسة من العمر فأخذت بجناحيه وأتجهت به نحو الطاولة التي يضعون عليها متاعهم والمؤلفة من طابقين وهي تسمى « أرحال» وأدخلته في الطابق السفلي من هذه الطاولة والذي يسمى « أكيتار» وغطته بالغطاء الذي كان أبائنا يستخدمونه في أيام البرد القارس والذي يصنع من جلود الغنم في بعض المناطق ومن جلود البقر في مناطق أخرى من هذه الربوع المعطاء وهو يسمى «الفرو» وانتهت من هذا العمل الذي يرى البعض أنه سبب تخلف آبائنا وعدم دخولهم في الحضارة بسرعة والذي يرى البعض الآخر أنه كان دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار، وجلست أمام « أرحال » وأخذت بالجراب الذي يوضع فيه اللبن والذي يسمى ب « الشكوة» وبدأت تخضه أي تحركه يمينا وشمالا لكي تنزع الزبدة من اللبن وبدأت في تلاوة سورة «يس» وصوت السيارة يقترب شيئا فشيئا وقلبها يرتجف خوفا على إبنها من أن يأخذه «كوميات» وبينما هي كذلك إذ توقفت سيارة النصارى حسب تعبيرهم في ذلك الوقت ونزل منها ثلاثة أفراد من «كوميات» ودخلوا في الخيمة وسألوا من بداخلها إن كان لديهم إبن أو إثنان فقالت لهم أم محمد لا ليس لدينا أي إبن وبينما هم يتجاذبون أطراف الحديث تسللت خالة محمد وخرجت من الخيمة وصاحت في الحي إنهم النصارى أي الفرنسيون يبحثون عن الأطفال لكي يذهبوا بهم وأنتشر الخبر في الحي كله إنتشار النار في الهشيم وفي أطراف الحي كان هناك صبية يلعبون بعض الألعاب على قلتها في ذلك الوقت وذلك بعدما حفظوا ما كتب لهم ذلك اليوم في ألواحهم من القرآن وبيناهم كذلك إذ أتتهم إمرأة من الحي فأخبرتهم الخبر فكان وقعه عليهم كوقع الصاعقة فبدأ بعضهم بحفر الحفر لكي يختبؤوا فيها خوفا من أن يذهب بهم العسكريون الفرنسيون وانتهوا بسرعة فائقة من حفر الحفر ودخلوا فيها كل في حفرته وكأنهم يحاكون الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق عندما دخلوا في الغار خوفا من أن يعثر عليهم أعداء الله فيقتلوهم أو يذهبوا بهم، وقامت المرأة بتسوية التراب عليهم خوفا من أن تدل عليهم وبينما الفرنسيون يفرضون سيطرتهم على المشهد العام للحي وذلك من خلال سؤالهم عن الأطفال وممارستهم لغطرسة يندى لها الجبين تذكرت بعض نساء الحي أن زوجها يملك بندقية صيد وأنه لم يذهب بها معه لأن زادهم من اللحوم لم ينفد بعد ، فأقبلت مسرعة إلى كوخ من الأعمدة أمام خيمة الوبر التي تقيهم حرارة الشمس وبرد الشتاء فأمسكت بالبندقية وأطلقت رصاصة في الهواء وأتبعتها برصاصة أخرى فسمع العسكريون صوت الرصاص وفهم قائدهم أنه دخل في مأزق لا نجاة منه إلا لمن أطلق العنان لرجليه وفر هاربا وهمس في أذن معاونه أن لا نجاة إلى بالهرب فركبوا سيارتهم وكل واحد منهم يقول في نفسه أي شعب مثل هذا الشعب لا يمكن أن يقهر.
وعندما ابتعد صوت السيارة بدأت النساء في الزغاريد وضرب الدفوف وهن يفتخرن بهذا النصر الذي حققنه في هذه المعركة وأقول المعركة ولكنها ليست معركة ضربت في الأعناق وبترت الأيادي والسيقان وإنما معركة من أجل الحفاظ على الهوية والثقافة ، وخرج الصبية من الحفر التي أختبؤوا فيها وخرج محمد من مخدعه وقد زال رعبه .
وبذلك يكون نساء الحي قد حققن نصرا كاسحا على هذه الطغمة التي جاءت لنهب الثروات والاستيلاء على كل ما يملك هذا الشعب الأبي الذي لا يمكن قهره و الذي جسدت هذه القصة من قصصه أسمى و أروع أنواع المقاومة وهي المقاومة الثقافية التي ترفض الأفكار والثقافات التي يحاول المستعمر أن يفرضها بالحديد والنار والتمسك بالثقافة الشنقيطية التي قل لها نظير في هذا القطر من الوطن العربي .
فر الفرنسيون وهم يجرون ذيل الهزيمة وخرج الصبية من مخابئهم ومحمد من مخدعه وأنتهت معركة إثبات الذات التي كان النصر فيها حليف نسوة ضعاف ليس لديهم سوى افكار تمسكوا بها وآثروا أن يقاوموا بها أعتى أنواع الإستعمار وهو استعمار المسخ الثقافي الذي حاول الفرنسيون فرضه على شعب يأبى أي نوع من الإستعمار ولكنهم فشلوا في ذلك .

هناك تعليق واحد: